فهم عملية التحول الديمقراطي في الصين: تأثيرها على النظام الدولي الراهن

تُعد مسألة التحول الديمقراطي في الصين واحدة من أبرز النقاط الشائكة التي ترتبط بثانى أكبر قوى اقتصادية عالميًا. فالصين واحدة من أكبر الدول في العالم.

فهم عملية التحول الديمقراطي في الصين: تأثيرها على النظام الدولي الراهن
فهم عملية التحول الديمقراطي في الصين: تأثيرها على النظام الدولي الراهن

بقلم/ رامز صلاح الشيشي

مقدمة

تُعد مسألة التحول الديمقراطي في الصين واحدة من أبرز النقاط الشائكة التي ترتبط بثانى أكبر قوى اقتصادية عالميًا. فالصين واحدة من أكبر الدول في العالم من حيث المساحة وعدد السكان والقوة الاقتصادية. ومع ذلك، فإن نظامها السياسي يختلف كثيرًا عن معظم الدول الأخرى التي تتبع نموذج الديمقراطية كنظام حُكم وبشكل خاص الدول الغربية. فالصين تُحكم بواسطة حزب واحد هو الحزب الشيوعي الصيني، والذي يسيطر بشكل مرن على جميع مؤسسات الدولة والجيش والإعلام. ولكن هل يعني ذلك أن الصين لا تشهد أي تغيرات أو تحول ديمقراطي في مجتمعها وثقافتها وعلاقاتها مع العالم؟

لقد كانت عملية التحول الديمقراطي في الصين رحلة طويلة ومعقدة، تعود جذورها إلى أوائل القرن العشرين. في العقود القليلة الماضية، خطت الصين خطوات كبيرة نحو التحول الديمقراطي، مع تغييرات هامة في نظامها السياسي وزيادة مشاركة مواطنيها في العملية الديمقراطية. ومع ذلك، لم يكن التحول الديمقراطي في الصين بدون تحديات أو عقبات، فلا تزال هناك حواجز كبيرة أمام عملية التحول الديمقراطي الكاملة في البلاد نتاج عدة عوامل متشابكة مع بعضها البعض. وعلى الرغم من هذه التحديات، فإن إضفاء طابع التحول الديمقراطي بشكل كامل على الصين سيكون له آثار كبيرة في النظام الدولي الراهن.

١- واقع التحول الديمقراطي في الصين:

إنَّ التحول الديمقراطي في الصين هو موضوع مثير للجدل والنقاش بين الباحثين والمحللين السياسيين. فبعضهم يرى أن الصين تسير في طريق التحول الديمقراطي من خلال إجراء إصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية تهدف إلى تعزيز حقوق المواطنين والمجتمع المدني والمشاركة السياسية. والبعض الآخر يرى أن الصين تحافظ على نظام سياسي شمولي ومركزي يقوض الديمقراطية والحرية والتعددية.

وفي هذا السياق، هناك ثلاثة محاور يجب التركيز عليهما في ضوء التحول الديمقراطي في الصين.

أولاً، يجب التمييز بين مفهومي الديمقراطية والتحول الديمقراطي. الديمقراطية هي نظام سياسي يقوم على مبادئ المساواة والحرية والسيادة الشعبية والتعددية وسيادة القانون. التحول الديمقراطي هو عملية انتقال من نظام سياسي غير ديمقراطي إلى نظام ديمقراطي.

هذه العملية قد تكون سلسة أو صعبة، تدريجية أو مفاجئة، سلمية أو عنيفة، حسب الظروف والعوامل المؤثرة في كل حالة، والنظام السياسي الصيني له خصوصيته وحالته في إدارة الحكم، وكذا التنمية الاقتصادية.

ثانياً، يجب التعرف على خصوصية الصين كدولة ذات تاريخ طويل وثقافة عريقة. هذه الخصوصية تجعل من الصعب تطبيق معايير عالمية للديمقراطية على الصين دون مراعاة ظروفها وتحدياتها وتطلعاتها، بل ومنظومتها القيمية التي لا تتماهى مع القيم الغربية.

ثالثاً، يجب التأكيد على أن الصين قد شهدت تغيرات كبيرة في السنوات الأخيرة على مختلف المستويات.

●فعلى المستوى السياسي، قامت الصين بإجراء إصلاحات دستورية وانتخابية وإدارية. كما قامت بتشجيع نشأة وتطور المجتمع المدني من خلال دعم المنظمات غير الحكومية والإعلام المستقل والحركات الشبابية.

● وعلى المستوى الاجتماعى، قامت الصین بإجراء إصلاحات اجتماعیة تھدف إلى تحسین مستوى المعیشة والتعلیم والصحة والبیئة للمواطنین. كما قامت بتعزیز حقوق الإنسان والمرأة والأقلیات والمھمشین.

● وعلى المستوى الاقتصادى، قامت الصین بإجراء إصلاحات اقتصادیة تھدف إلى تحویل الصین من اقتصاد مركزى مغلق إلى اقتصاد سوقى مفتوح.

كما قامت بتعمیق اندماجها فى النظام الاقتصادى العالمى من خلال الانضمام إلى منظمات دولیة مثل منظمة التجارة العالمیة ومجموعة العشرین. أكثر من ذلك، تلعب الصين دورًا رائدًا في تكتل البريكس ومنظمة شنغهاي.

هذه التغيرات تشیر إلى أن الصین تسیر فى طریق التحول الدیمقراطى، لكن بطریقتها الخاصة، التى تعبر عن هویتها وثقافتها ورؤيتها للنظام الدولي الراهن. هذه الطریقة قد تختلف عن المفھوم الغربى للدیمقراطیة، لكنھا تحترم مبادئ عالمیة مثل حقوق الإنسان والسلام والتنمیة.

٢- جودة الحُكم في النظام السياسي الصيني

أظهر النظام السياسي الصيني قدرته على تعزيز جودة الحكم من خلال السعي لتحقيق أهداف برجماتية، مثل تسهيل تقديم الخدمات العامة الأساسية (الصحة والتعليم والغذاء). وهذا يفسر السبب في أن الشعب الصيني أقل قلقًا بشأن عملية اختيار قادته وأكثر تركيزًا على نتائج سياساتهم في تلبية احتياجاتهم ومطالبهم الأساسية.

ومع ذلك، تعتبر الأنظمة السلطوية غير مستقرة بشكل عام بسبب انخفاض شرعيتها، والاعتماد الكبير على الإكراه، والتركيز المفرط للسلطة، وانتشار الحكم الشخصي على المعايير المؤسسية.

وفي هذا الصدد، أظهر النظام السلطوي مرونة ملحوظة في الصين "السلطوية المرنة"، على الرغم من افتقاره المستمر للإصلاحات السياسية. أحد أسباب هذه المرونة هو قدرة الحزب الشيوعي على التكيف، والذي تمكن من دمج مجموعات اجتماعية جديدة، مثل رواد الأعمال والمهنيين وسكان المناطق الحضرية، في صفوفه واستيعاب المنافسين المحتملين. سبب آخر هو الدعم الشعبي لأداء النظام في الحفاظ على النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي والسيادة الوطنية. السبب الثالث هو السيطرة الفعالة على المعلومات والمعارضة من قبل أنظمة الرقابة والمراقبة المتطورة للنظام.

وفي هذا السياق، نميز بين ثلاثة مستويات مختلفة بشأن جودة الحكم في النظام السياسي الصيني

أولاً، من المهم التمييز بين مستويات مختلفة من الحكم في الصين. فهناك فرق بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية، وبين الحزب الشيوعي والدولة، وبين القطاعات المختلفة من الإدارة العامة. كما أن هناك تنوع كبير في ظروف وتحديات وأداء الحكم في المناطق المختلفة من الصين. لذلك، لا يمكن تقديم تقييم شامل أو نهائي لجودة الحكم في الصين بأكملها.

ثانيًا، يجب أن نأخذ في الاعتبار التغيرات التاريخية والسياسية التي شهدتها الصين منذ إطلاق إصلاحات دنغ شياو بينغ في نهاية السبعينات. فقد شهدت الصين تحولات هائلة في مجالات الاقتصاد، والمجتمع، والثقافة، والدبلوماسية، والأمن.

هذه التحولات أثرت على طبيعة ووظائف وتحديات الحكم في الصين. فقد ازدادت مطالبات المواطنين بالمشاركة والتمثيل والإشراف على صانعي القرار. كما ازدادت حالات التوتر والصراع بين المصالح المختلفة داخل وخارج الصين. كما ازدادت حاجة الصين لإثبات شرعية نظامها وفعالية سياساتها على المستوى الإقليمي والدولي.

ثالثًا، يجب ألا نغفل عن التطورات والابتكارات التي قام بها صانعو السياسة في الصين مثل البيئة والتعليم والصحة والتجارة والتكنولوجيا. هذه التطورات والابتكارات تهدف إلى تحسين جودة الحياة للشعب الصيني، وزيادة قدرة الصين على المنافسة على المستوى الدولي، وتعزيز دورها كقوة عالمية في النظام الدولي الراهن

 بعض الأمثلة على هذه التطورات والابتكارات هي:

١- إطلاق مشروع [خطة الطاقة الشمسية 2020]، الذي يهدف إلى توليد 200 غيغاواط من الطاقة الشمسية بحلول عام 2020، وهو أكبر مشروع من نوعه في العالم.

٢- إنشاء [مركز التعلم المفتوح] الذي يوفر فرص التعلم عبر الإنترنت لأكثر من 100 مليون طالب في جميع أنحاء الصين، ويشجع على التعاون بين المؤسسات التعليمية المختلفة.

٣- تطوير [نظام التشخيص الذكي] الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات المرضى وإعطاء توصيات للعلاج، وهو يساهم في تحسين جودة الرعاية الصحية وخفض التكاليف.

٤- إبرام [اتفاقية التجارة الحرة] مع دول رابطة جنوب شرق آسيا (آسيان)، والتي تشمل 16 دولة وتغطي نحو نصف سكان العالم، وهي تهدف إلى تعزيز التبادل التجاري والاستثمار بين المنطقتين.

٥- ابتكار [قطار ماغلف]، الذي يستخدم تقنية التحرير المغناطيسية للسير بسرعات تصل إلى 600 كيلومتر في الساعة، وهو أسرع قطار في العالم.

٦- إطلاق مبادرة “الحزام والطريق” في العام ٢٠١٣ من قِبل الرئيس الصيني شي جين بينغ؛لتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي والثقافي مع الدول المجاورة والنائية، وربط آسيا بقارتي أوروبا وأفريقيا. 

٣- إمكانية التحول الديمقراطي في الصين: جدلية الديمقراطية والتنمية الاقتصادية

مع الإصلاحات الاقتصادية التي بدأت في عهد الرئيس دنغ شياو بينغ منذ العام ١٩٧٨، بعد نهاية الحقبة الماوية حقبة "ماو تسي تونج". أنجزت الصين نموًا اقتصاديًا هائلًا خلال العقود الأربعة الأخيرة، وذلك على الرغم من عدم وجود إصلاحات سياسية كبيرة.

فيُعزى هذا النجاح إلى عدة عوامل، منها:

● القيادة السياسية الصينية القوية:

 قادت الحكومة الصينية الإصلاحات الاقتصادية بكفاءة وفعالية، مما ساعد على خلق بيئة مواتية للنمو، وجذب الاستثمارات الأجنبية داخل الصين..

● العمالة الصينية الماهرة والرخيصة:

تتمتع الصين بعمالة ماهرة ورخيصة، مما جعلها وجهة جذابة للاستثمار الأجنبي.

● السوق الصينية المحلية الضخمة:

تعد الصين أكبر سوق في العالم، مما أدى إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات الصينية.

ومع ذلك، لا يزال هناك تحديات تواجه الصين، منها:

● الفقر والتفاوت الاقتصادي:

لا يزال هناك العديد من الصينيين يعيشون في فقر، بالرغم من أنه تم انتشال أكثر من ٨٠٠ مليون شخص من الفقر. كما أن التفاوت الاقتصادي في البلاد آخذ في الازدياد لاسيما بين الريف والحضر.

● الفساد:

 لا يزال الفساد مشكلة خطيرة في الصين، مما يضر باقتصاد البلاد ومؤسساتها.

● التحديات البيئية:

تواجه الصين تحديات بيئية خطيرة، مثل التلوث وتغير المناخ.

الخاتمة

قد يبدو من غير الواقعي التأكيد بأن دولة بحجم الصين ذات التاريخ العريق لن تشهد تحولًا ديمقراطيًا، ولكن قد تكون هذه الرؤية الواقعية تغفل بعض التحديات والعوائق التي تواجه انتقال البلدان إلى الديمقراطية. فضلًا عن ذلك، في حال تحولت الصين ديمقراطيًا، سنكون بصدد نظامًا دوليًا تسوده صبغة ليبرالية أكثر انفتاحًا، فالصين دولة شرقية يوجد بها أكثر من مليار ونصف مليون نسمة. ومع ذلك، هنالك عوامل تاريخية وسياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية تؤثر على قابلية البلدان للتغيير. وفي بعض الحالات، قد يفضل المواطنون أو الحكام نظامًا غير ديمقراطي لأسباب مختلفة كأسباب تاريخية أو نتاج المنظومة القيمية الصينية نفسها. وبالتالي، لا يمكن افتراض أن الديمقراطية هي الهدف المشترك لجميع البشر، أو أنها ستحل جميع المشكلات التي تواجههم.

فتتجلى المنظومة القيمية الصينية في مجالات عديدة من الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية. ففي المجال الاجتماعي، تبرز قيمة الانسجام والتعاون والتضامن بين أفراد المجتمع، والتي تستند إلى مبادئ الكونفوشية والطاوية. كما تظهر قيمة الولاء والطاعة للأسرة والأجداد والأباء، والتي تعكس احترام التقاليد والتاريخ. 

وفي المجال السياسي، تبرز قيمة الوحدة الوطنية والسلطة المركزية، والتي تستند إلى مفهوم "الإمبراطورية الوسطى" و"الصين كجسد واحد". كما تظهر قيمة السلام والحوار والتعاون مع الدول الأخرى، والتي تستند إلى مفهوم "التنمية السلمية" و"الشراكة الشاملة".

وفي المجال الاقتصادي، تبرز قيمة التطور والابتكار والكفاءة، والتي تستند إلى مفهوم "الإصلاح والانفتاح" و"الاشتراكية بالخصائص الصينية". كما تظهر قيمة التوازن بين النمو والبيئة والتي تستند إلى مفهوم "البناء الإيكولوجي" و"الحضارة الخضراء". وفي المجال الثقافي، تبرز قيمة التنوع والاندماج، والتي تستند إلى مفهوم "ثقافة التسامح" و"حضارة مشتركة للبشرية". كما تظهر قيمة التعلم المستمر، والتي تستند إلى مفهوم "ثقافة التعلُّم".

Getting Info...

إرسال تعليق

Cookie Consent
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.
Oops!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت والبدء في التصفح مرة أخرى.
AdBlock Detected!
لقد اكتشفنا أنك تستخدم المكون الإضافي adblocking في متصفحك.
تُستخدم الإيرادات التي نحققها من الإعلانات لإدارة هذا الموقع ، ونطلب منك إدراج موقعنا في القائمة البيضاء في المكون الإضافي لحظر الإعلانات.
A+
A-