ماهية الديمقراطية: ماذا تعني لنا؟

هناك اتفاق كبير بأن بدايات تطبيق الديمقراطية تعود إلى الإغريق، فيمكن التأكيد على أنها مثل الفلسفة، اخترعها الإغريق وأخذت مكانها في الثقافة اليونانية.

 ماذا تعني الديمقراطية؟

ماهية الديمقراطية: ماذا تعني لنا؟
ماهية الديمقراطية: ماذا تعني لنا؟ 

ماهية الديمقراطية

إن هناك اتفاق كبير بأن بدايات تطبيق الديمقراطية تعود إلى الإغريق، فيمكن التأكيد على أنها مثل الفلسفة، اخترعها الإغريق وأخذت مكانها في الثقافة اليونانية. فكانت أثينا أول مدينة تقيم الديمُقراطية، ولعبت دورًا نشطًا في تطوير ونضج الديمُقراطية، وكذلك الفلسفة، وكان أحد أبرز مظاهر التعلق بمسقط رأس الاختراع هو أن الفلسفة اليونانية وصلت إلى ذروتها تحت سيادة الديمُقراطية في أثينا. ونتيجةً لذلك، يمكن أن يتم تعريف الديمُقراطية Democracy  بأنها كلمةً يونانيةً تتكوَّن من مقطعين؛ المقطع الأول Demos ويعني الناس أو الشعب، والمقطع الثاني Kratos  ويعني الحُكم، وبذلك يشير مفهوم الديمُقراطية لغةً إلى حُكم الشعب أو حُكم الأغلبية. تُعرَّف الديمُقراطية اصطلاحًا بأنّها نظام الحُكم، حيث تكون السلطة العُليا بيد الشعب الذي يمارس سلطاته بشكلٍ مباشرٍ، أو عن طريق مجموعة من الأشخاص يتمّ انتخابهم لتمثيل الشّعب بالاعتماد على عمليةٍ انتخابيّةٍ حرةٍ ونزيهة، حيث ترفض الديمُقراطية جعل السلطة كاملةً ومُركَّزة في شخصٍ واحد، أو على مجموعة من الأشخاص كالحُكم الدكتاتوري، أو الأوليغارشية (حُكم القِلة).

الديمقراطية من منظور أفلاطون

ظهر أفلاطون Plato بعد إعدام معلمه سقراط وهزيمة أثينا على يد إسبارطة فيما يُعرف باسم الحرب البيلوبونيزية (٤٣١ق.م- ٤٠٤ق.م). وهكذا فقد ربط أفلاطون بين هذه الأحداث غير المنطقية، مؤكدًا أن الفوضى ستستمر ما دام نظام الجهل والأنانية، والفتنة والاضطرابات، وعدم الكفاءة، والسلبية، والرشوة، واحتقار المبادئ، واللامساواة، وغيرها من الصفات الشريرة مزدهرة. عارض أفلاطون صراحةً النظام الديمُقراطي في أثينا، واصفًا إياه بأنه غير أخلاقي، بل وحرمه من وصف النظام السياسي عندما اعتبره خاضعًا للدساتير على أساس أن الحُرية الكاملة التي يستند إليها أدت إلى الفوضى والغرور، حتى يمتلك الجميع دستوره ويؤمن كل شخص بقدرته على فعل كل شيء.

الديمقراطية عند أرسطو

كما أيدَّ أرسطو Aristotle  وجهة نظر أستاذه أفلاطون وكان من أبرز من جسَّد هذا النظام أو المفهوم في كتابه ”دستور الأثينيين“ الذي رفض فيه الديمُقراطية، وبخاصة تلك التي لا تحترم القانون. وضع أرسطو الديمُقراطية ضمن أشــكال الحُكم المنحرفة، أو الفاســدة التي لا تسعى لتحقيق المنفعة العامة. ووفقًا لأرسطو، فإن أفضل نظام حُكم هو النظام القائم على الدستور مع الطبقة المتوسطة الكبيرة.

وقد صنف نظم الحُكم إلى ثلاث جيدة بشرط توافر دستور للحُكم، وثلاث سيئة إذا لم يتوافر دستور.

١. حُكم الفرد في حالة وجود دستور: نظام ملكي Monarchy وفي حالة غياب الدستور نكون بصدد طاغية.

٢. حُكم القِلة في حالة وجود دستور: نظام أرستقراطي أي حكم الأفضل Aristocracy  وفي حالة غياب الدستور نكون بصدد الأوليغارشية.

٣. حُكم عامة الشعب "الأغلبية" في حالة وجود دستور: نظام ديمُقراطي Democracy  وفي حالة غياب الدستور نكون بصدد الفوضى "الأناركية". 

وقد وجد أرسطو أن نظام الحُكم الأمثل هو النظام الدستوري الذي يجمع بين النظامين الديمقراطي والأوليغارشي؛ لأنه وجد أن النظام الملكي ليس نظاماً جيدًا لأنه لا يوجد ضمانات بأن الفرد الحاكم سوف يحكم بالعدل والفضيلة بدلًا من الطيش والهوى والمصالح الشخصية، ولأنه أيضًا نظام وراثي فقد يحكم فرد جاهل أو غير عقلاني الدولة. أما النظام الأرستقراطي ففيه نفس المشاكل من حيث أن الأقلية الحاكمة قد تحكم وفقًا لمصالحها الشخصية بدلًا من المصلحة العامة.

نظام الحكم الأمثل عند أرسطو

ولذلك، خلص أرسطو إلى أن النظام الدستوري الأفضل للحُكم القائم على الدمج والخلط بين النظامين الديمُقراطي والأوليغارشي لتكوين "النظام المُختلط" الذي يحفظ التوازن ويحقق الانسجام بين المبادئ المتعارضة بأخذ الحل الوسط بينهما والحل الوسط يأتي عن طريق الطبقة المتوسطة الصالحة التي لم يفسدها الغنى الفاحش أو يحطمها الفقر المدقع. وأخيرًا فقد نبه أرسطو أن النظام المثالي يختلف من دولة إلى أخرى باختلاف البيئة والظروف الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية وطبيعة الشعب وأخلاقه فقد يكون لدولة نظامًا مثاليًا ولكنه لا يصلح لغيرها لظروف خاصة بها.

 الاستخدام الحديث للديمقراطية  

ويعود الاستخدام الحديث للديمُقراطية مع الاضطرابات الثورية حدثت في المجتمعات الغربية في نهاية القرن الثامن عشر، حيث الثورة الأميركية ١٧٧٦، والثورة الفرنسية ١٧٨٩. فلقد رأى صامويل هنتنجتون أنه عند الحديث عن الديمُقراطية تبرز العديد من المشكلات والتي تتمثل في عدم الدقة والغموض وتحديدًا عند تحديد مصدر السُلطة، الأغراض التي تؤديها الحكومة، والإجراءات المتبعة لتكوين الحكومة. فكان هناك جدلًا سائدًا حول الديمُقراطية بعد الحرب العالمية الثانية بين من أصروا على تعريف الديمُقراطية وفقًا للمصدر والغرض؛ أي مصدر السلطة السياسية والتي تكون في إرادة الشعب، والغرض من وجود سُلطة سياسية المتمثل في تحقيق المصلحة العامة لذلك الشعب، وبين المُنظرين المؤمنين بضرورة وجود مفهوم اجرائي للديمُقراطية.

 تعريف الديمقراطية عند جوزيف شومبيتر 

 عرَّف ڇوزيف شومبيتر الديمُقراطية اجرائيًا على أنها "ترتيبات مؤسساتية للوصول للقرارات السياسية التي يكتسب بها الأفراد السُلطة عبر كسب أصوات الناس". بمعنى ضرورة اختيار أقوى صناع القرار عبر انتخابات عادلة ونزيهة ودورية يتنافس فيها المرشحون على أصوات الناس التي يحق لكل بالغ من أبناء الشعب المشاركة فيها.

ويعرفها "قاموس أوكسفورد" بأنها نظام حُكم يُتيح لشعب دولة ما التصويت لانتخاب مُمثليه.

الديمقراطية والتحول الديمقراطي 

وفي هذا السياق، قد يخلط البعض بين الديمُقراطية كنظام حُكم راسخ في الدول الغربية، وبين التحول الديمُقراطي كمرحلة انتقالية أو بالأحرى عملية تُتبع في بعض الدول النامية من أجل تحقيق الديمُقراطية. ووفقًا لهنتنجتون، فإن التحول الديمُقراطي هو حركة انتقالية تتحول فيها النظم الغير ديمقراطية إلى نُظم ديمقراطية تحدث في فترة زمنية معينة. كما يرى أنه قد حدثت ثلاث موجات من التحول إلى الديمُقراطية في العالم الحديث، وبالتوازي مع تلك الموجات التحولية، كان يتبعها موجات مضادة تجاه اللاديمقراطية؛ فالتاريخ برأيه لا يتصف بوحدة الاتجاه.

 وعرف الدكتور علي الدين هلال التحول الديمُقراطي على أنه "مجموعة العمليات التي تحقق انتقال نظام سياسي من الحُكم السلطوي إلى الحُكم الديمُقراطي".

ماهية التحول الديمقراطي 

 إن محاولة التأصيل المفاهيمي للتحول الديمُقراطي تستدعي الرجوع إلى الأصول اللغوية للمصطلح، فكلمة التحول لغةً تعبر عن تغير نوعي في الشيء أو انتقاله من حالة إلى حالة أخرى، وهي المرحلة الوسطية التي تقع بين الانتقال من نظام سياسي إلى نظام آخر وتبدأ عملية التحول نحو الديمُقراطية بالتفكيك التدريجي للنظام السلطوي، ويشير لفظ التحول الديمُقراطي لغةً إلى التغير أو النقل، فيُقال حول الشيء أي غيره أو نقله من مكانه. كما أن أنماط هذا التحول الديمقراطي تتعدد وتتنوع فنجد:

نمط التحول من الأعلى 

يتسم هذا النمط في عملية التحول الديمُقراطي عندما يُبادر قادة النظم الغير ديمُقراطية (قيادات سياسية مدنية أو قيادات عسكرية) بتحويل النظام ليصبح أكثر ديمقراطيةً، على الرغم من أن هذا الأسلوب من التحول يأتي بمبادرة من السلطة الحاكمة فإنه لا يعني إلغاء دور الجماهير في عملية التحول الديمقراطي حيث يلجأ القادة في بعض الأحيان إلى إحداث تحول؛ نتيجةً للضغوطات الشعبية وتزايد المطالب الاجتماعية بإحداث تغيرات ديمُقراطية.

نمط التحول من الأسفل 

يتسم هذا النمط من التحول الديمُقراطي بمشاركة الشعب كفاعل رئيسي، ويظهر هذا النمط في مرحلة تتسم بتصاعُد قوة المعارضة الشعبية وانهيار قوة النخبة الحاكمة مما يؤدي إلى الإطاحة بها ومن ثمة انهيار النظام السلطوي (الشمولي) مما يدفع بالقيادات في محاولة منها لتدارك الوضع بالانطلاق في إقرار بعض الإصلاحات المطلوبة من أجل احتواء الأزمة ذات الأبعاد المركبة، ومثال ذلك ما شهدته الدول العربية في إطار ما تُعرف بثورات الربيع العربي.

نمط التحول التفاوضي 

 يكمن مرد هذا النمط في وجود تدهور لشرعية النظام السياسي؛ نتيجةً لتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الأمر الذي یؤدي إلى  تزايد الضغوطات الداخلية بشكلٍ خاص، والمطالب الخارجية بشكلٍ عام نحو التحول الديمُقراطي، وهذا ما یدفع بقوى المعارضة التي تتمتع بدعم وتأييد داخلي وخارجي في هذه الحالة إلى الإطاحة  بالنظام، ومن ثم يهرول النظام للدخول في مفاوضات مع المعارضة من اجل التوصل إلى حل وسط یكفل مصالح كافة القوى السیاسیة، وغالبًا ما يأتي هذا النمط  كمحصلة لوجود نوع من التوازن النسبي في ميزان القوى بين الطرفين.

Getting Info...

إرسال تعليق

Cookie Consent
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.
Oops!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت والبدء في التصفح مرة أخرى.
AdBlock Detected!
لقد اكتشفنا أنك تستخدم المكون الإضافي adblocking في متصفحك.
تُستخدم الإيرادات التي نحققها من الإعلانات لإدارة هذا الموقع ، ونطلب منك إدراج موقعنا في القائمة البيضاء في المكون الإضافي لحظر الإعلانات.
A+
A-