واقع قمة فيلنيوس ٢٠٢٣

أبرز محاور قمة فيلنيوس ٢٠٢٣

مقدمة

عقدت قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) لعام 2023 في العاصمة الليتوانية فيلنيوس يومي 11 و 12 يوليو، وسط مناخ عالمي يشهد اضطرابات متزايدة وتحديات أمنية غير مسبوقة. وقد شكلت القمة فرصة لقادة دول الحلف للالتقاء ومناقشة التهديدات الناشئة ووضع استراتيجيات مُشتركة لمواجهتها، مع التركيز على ضرورة تعزيز التعاون وتوطيد التحالفات الأمنية في مواجهة التحديات المعقدة التي يشهدها العالم اليوم.

الناتو: تاريخ الحلف ودوره في المشهد العالمي

تأسس حلف شمال الأطلسي (الناتو) عام 1949 كمنظمة عسكرية تهدف إلى حماية الدول الأعضاء في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية من التهديدات السوفيتية خلال الحرب الباردة. وقد كان الهدف الرئيسي للناتو هو ردع أي عدوان محتمل من قبل الاتحاد السوفييتي وحلفائه، وحماية أوروبا الغربية من التمدد الشيوعي.

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، تغيرت مهام الناتو بشكل محوري. فبدلاً من التركيز على مواجهة تهديد واحد وواضح، أصبح على الحلف التعامل مع مجموعة واسعة من التحديات الأمنية الجديدة والمعقدة، مثل الإرهاب الدولي، وحروب الوكالة، والهجمات السبرانية.

اليوم، يلعب الناتو دوراً محورياً في الحفاظ على الأمن والاستقرار في مناطق مُختلفة من العالم. وتشمل أبرز مهامه حماية أعضائه من العدوان الخارجي، ومكافحة الإرهاب، والاستجابة للأزمات الإنسانية، وتعزيز الأمن الدولي من خلال التعاون مع الدول الشريكة والمنظمات الدولية.

شعار حلف الناتو

المحاور الرئيسية لقمة فيلنيوس 2023:

1. الصراع الروسي الأوكراني: تحدي أمني رئيسي للناتو 

شكل الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022 نقطة تحول في الأمن الأوروبي، ومثل تحديًا كبيرًا لحلف الناتو. وقد أكدت قمة فيلنيوس على دعم الحلف الثابت لأوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي، والتزام الدول الأعضاء بتقديم المساعدة العسكرية والمالية والسياسية لأوكرانيا لمدة طويلة.

وخلال القمة، أعلن قادة الناتو عن مجموعة من التدابير الجديدة لتعزيز دعم أوكرانيا، منها:

● زيادة المساعدات العسكرية: 

التزم حلفاء الناتو بتقديم مُعدات عسكرية أكثر تقدمًا وتدريب إضافي لقوات الأمن الأوكرانية.

● تقديم حزمة مساعدة شاملة طويلة الأجل: 

وافقت دول الحلف على حزمة دعم جديدة لأوكرانيا، تهدف إلى مساعدتها في إعادة بناء جيشها وتعزيز قدراتها الدفاعية على المدى الطويل.

● تأكيد على انضمام أوكرانيا للناتو مستقبلاً: 

رغم عدم وجود جدول زمني محدد لانضمام أوكرانيا للناتو، إلا أن قادة الحلف أكدوا على أن أوكرانيا ستصبح عضوًا في الناتو في المستقبل، بعد انتهاء الحرب وتحقيق الشروط المطلوبة.

2. تعزيز القدرات الدفاعية والردع:

أكدت قمة فيلنيوس على ضرورة تعزيز القدرات الدفاعية والردع للناتو، خاصة في ضوء التهديدات الروسية المتزايدة والتحديات الأمنية الجديدة في منطقة المحيط الهندي الهادئ. وقد اتخذ الحلف مجموعة من الخطوات لتحقيق هذا الهدف، منها:

● زيادة الإنفاق الدفاعي: 

دعا قادة الناتو الدول الأعضاء إلى زيادة إنفاقها الدفاعي ليصل الى 2٪ على الأقل من نسبة الناتج المحلي الإجمالي، وذلك لتعزيز القدرات العسكرية وتحديث التسليح.

● تعزيز الانتشار العسكري في أوروبا الشرقية: 

أعلن الناتو عن خطط لتعزيز وجوده العسكري في أوروبا الشرقية، خاصة في الدول المُطلة على البحر الأسود، وذلك لردع أي عدوان روسي مُحتمل.

● تطوير استراتيجية جديدة للناتو: 

يعمل حلف الناتو على صياغة مفهوم استراتيجي جديد، يُحدد أولويات الحلف للعقد المُقبل، ويُحدد كيفية التعامل مع التحديات الأمنية المُستجدة.

3. مواجهة التحديات الأمنية الجديدة:

إلى جانب الصراع الروسي الأوكراني، تناولت قمة فيلنيوس مجموعة من التحديات الأمنية المُهمة الأخرى، منها:

● الأمن السَيبراني: 

أكدت القمة على أهمية تعزيز التعاون في مجال الأمن السَيبراني، ومشاركة المعلومات و التكنولوجيا بين الدول الأعضاء لمواجهة الهجمات السيبرانية المتزايدة من قبل جهات فاعلة حكومية وغير حكومية.

● الإرهاب الدولي: 

أكدت القمة على استمرار تهديد الإرهاب الدولي، وضرورة مواصلة الجهود الدولية لمكافحة الجماعات الإرهابية، خاصة في مناطق مثل العراق وسوريا وأفريقيا.

● تغير المناخ والأمن: 

نوهت القمة إلى التأثير المُتزايد لتغير المناخ على الأمن العالمي، واتفقت الدول الأعضاء على ضرورة مُضاعفة الجهود للحد من انبعاثات الكربون وتعزيز التعاون الدولي لمواجهة التحديات الأمنية المرتبطة بتغير المناخ.

4. الصين: قوة عالمية متنامية وتحديات جديدة:

سلطت قمة فيلنيوس الضوء على الصين كقوة عالمية متنامية، مع الإقرار بالتحديات التي يمثلها نفوذها المتزايد على النظام الدولي. وقد أكد قادة الناتو على ضرورة انتهاج موقف حازم تجاه الصين، والتعاون مع الشركاء في منطقة المحيط الهندي الهادئ لحماية مصالح الحلف.

سيناريوهات مستقبلية: رسم ملامح الأمن العالمي

من المُرجح أن يُشكل مسار الأحداث التالية مستقبل الأمن العالمي ودور الناتو فيه:

سيناريو التصعيد المُستمر: في حال استمرار التصعيد في الصراع الروسي الأوكراني، وتزايد التوتر بين الغرب وروسيا، فمن المُتوقع أن يشهد العالم حالة من الاستقطاب الحاد، مع تزايد الإنفاق العسكري وتصاعد سباق التسلح. وفي هذه الحالة، يتعين على الناتو تكثيف جهوده لردع روسيا و طمأنة حلفائه، مع مواجهة مخاطر اندلاع مواجهات عسكرية مباشرة.

سيناريو الحوار وخفض التصعيد: في حال نجاح الجهود الدبلوماسية في التوصل إلى تسوية سياسية للصراع في أوكرانيا، وخفض التوتر بين الغرب وروسيا، فمن الممكن أن يشهد العالم مرحلة جديدة من التعاون الدولي. وفي هذه الحالة، سيكون بإمكان الناتو التركيز على مواجهة التحديات الأمنية الأخرى، مثل الإرهاب وتغير المناخ، والتعاون مع روسيا في مجالات ذات مصلحة مشتركة.

سيناريو الصعود الصيني و تعددية الأقطاب: من المُرجح أن يشهد العالم خلال العقود المُقبلة تحولاً كبيرًا في موازين القوى، مع استمرار صعود الصين كقوة عالمية رئيسية. وفي هذه الحالة، يتعين على الناتو التكيف مع نظام دولي أكثر تعددية، والتعاون مع شركاء جدد لمواجهة التحديات المُشتركة، مثل تغير المناخ والأوبئة والتهديدات السيبرانية.

خاتمة

جاءت قمة الناتو في فيلنيوس 2023 في وقت حاسم يشهد فيه العالم تحولات جيوسياسية متسارعة وتحديات أمنية معقدة. وقد أكدت القمة على دور الناتو المحوري في الحفاظ على الأمن والاستقرار في العالم، والتزامه بحماية أعضائه من العدوان ومواجهة التهديدات الجديدة، سواء أكانت تقليدية أم غير تقليدية. وتُشير مخرجات القمة إلى أن الناتو يسعى إلى تكييف نفسه مع البيئة الأمنية المُتغيرة، وذلك من خلال تعزيز قدراته الدفاعية، وتوسيع شراكاته الدولية، وتطوير استراتيجيات جديدة للتعامل مع التحديات الناشئة. ويبقى مستقبل الأمن العالمي ودور الناتو فيه رهناً بمسار الأحداث الدولية و قدرة الدول على التعاون لمواجهة التحديات المُشتركة.